الشركات الأمنية الخاصة وأثرها في مستقبل الصراعات العسكرية والسياسية

الشركات الأمنية الخاصة وأثرها في مستقبل الصراعات العسكرية والسياسية
مقدمة
تحتل الشركات الأمنية الخاصة مساحة واسعة في رقعة الصراعات العسكرية اليوم، ويشكل وجودها -خاصة في بؤر الصراع في الشرق الأوسط- علامة فارقة غيرت الكثير من معالم الصراع العسكري على الأرض، كما أحدثت انعكاساته الكثير من المتغيرات على طاولة السياسية. خاصة بعد التزايد الكبير في حجم تلك القوات وتسليحها وازدياد أعداد أفرادها وإمكانياتها التي أصبحت تفوق دولا بأكملها، وهي إلى جانب قدراتها العسكرية، أحدثت تغييرا في العلاقات الدولية بصناعة منطقة رمادية تتدخل فيها الدول دون أن يكون لها وجود رسمي على الأرض، كما هو حاصل في سوريا وليبيا، والعراق سابقا. فكيف وصلت تلك الشركات إلى هذه المرحلة، وما مستقبل الصراع ومتطلبات الأمن القومي في ظل وجودها؟
عوامل ظهور الشركات الخاصة
١. تهديدات جديدة للأمن القومي: الحروب غير النظامية “asymmetric warfare”
في الفترة التي تلت سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، ظهرت تحديات جديدة أمام الأمن القومي الغربي عموما والأمريكي خصوصا، تتمثل ببروز قوى تميل لنوع غير مألوف من الصراعات، أطلقت عليه وزارة الدفاع الأمريكية “الحرب غير المتوازية” أو ما يُعرف عسكريا: “asymmetric warfare”، تُعرّف وزارة الدفاع الأمريكية تلك الحرب بأنها “محاولات تقوم بها الدول الضعيفة والمنظمات المسلحة للالتفاف و تقويض نقاط القوة لدى العدو الأقوى مع استغلال نقاط ضعفه باستخدام أساليب تختلف بشكل كبير عن طريقة القتال المُتبعة لدى الخصم”. بذات الدراسة التي نشرها معهد الحرب التابع للجيش الأمريكي عام 1999، كشفت رئاسة الأركان أنها أصبحت على يقين عقب حرب الخليج الثانية ضد العراق عام 1991 بأن عملية عاصفة الصحراء بما تركته من أثر مدمر ستكون آخر الحروب التقليدية بمفهومها المعروف كمواجهة عسكرية بين جيشين، وأن الوقت قد حان لتغيير الاستراتيجية المتبعة منذ 50 عاما، والمعدة لمواجهة تقليدية\نووية؛ فالخصم المقبل لن يكون الاتحاد السوفيتي، كما أن باقي الأعداء المحتملين أدركوا فداحة مواجهة واشنطن عسكريا وبالتالي سيأخذ القتال طابعا غير متماثل يشمل أساليب جديدة: التهديدات الأمنية، حرب المعلومات، الإرهاب، حرب العصابات، حرب المدن، الحرب الالكترونية وغيرها من التكتيكات التي قد تضرب الولايات المتحدة في عقر دارها أو في الخارج.
هجمات الحادي عشر من سبتمبر
حين وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمهاجمة برجي التجارة العالمي، ووزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، كان ما توقعته وزارة الدفاع الأمريكية ومخططوها قد وقع فعلا، لكن دون وجود خطة حقيقة لمواجهتها بعد.
إذ لم تكن قيمة هجمات سبتمبر هو المباغتة في مهاجمة البرجين فقط، إنما تعدته إلى الطريقة التي استجابت فيها الولايات المتحدة للتهديد. يقول الكاتب جورج فريدمان في كتابه “حروب أمريكا السرية”: “كان آخر ما توقعه مخططو الاستراتيجية الأمريكية أن تدخل الولايات المتحدة في مثل تلك المواجهة العالمية التي انخرطت فيها عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم تكن الهجمات متوقعة، وكذلك لم يكن الرد عليها بإعلان الحرب في أفغانستان والعراق مخططا له، وكل ما حصل بعدها كان عبارة عن خطط مرتجلة باستعجال” .
كانت عمليات غزو العراق وأفغانستان من أقصر عمليات الاحتلال نسبيا، خاضها الجيش الأمريكي بطريقة تقليدية يعرفها جيدا، ضد عدو منهك مكشوف لا يملك أدنى قدر من وسائل الاتصال والسيطرة أو الدفاع الجوي ولا الحرب الالكترونية بالطبع. وهكذا حققت الولايات المتحدة نصرا غطت به أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما يمكن أن يُثار حول الموضوع من تساؤلات عن كيف ولماذا حصلت تلك الهجمات.
لكن ما حصل بعد عمليات الغزو، كان أمرا آخر يختلف عن الحروب التي خاضتها، كان حرب العصابات التي تُشن على الجيش الأمريكي المكشوف في شوارع بغداد وكابل، أمرا جديدا لم يكن واضعوا الاستراتيجية الأمريكية قد وجدوا له حلا. خلال سنوات القتال في العراق وأفغانستان كانت مفاهيم النصر والهزيمة ضبابية لا يمكن القياس عليها وقائمة الأهداف كبيرة لا يمكن حمايتها، وجد الجيش الأمريكي نفسه يواجه مقاتلين يظهرون لدقائق ثم يختفون في الأسواق والأزقة والمزارع، وخاضت دبابات الأبرامز مهمات قتال مرهقة لتأمين مبان مدنية أو طرقات اسفلتية في وقت كانت فيه طائرات الأباتشي والأف-16 عديمة الفائدة لأن العدو ببساطة لم يكن يملك مقر قيادة ولا آليات لتدميرها، كل هذا يحصل في ظل خسائر كبيرة طالت الجنود الأمريكيين، جرب القادة كل الحلول: التعاون مع الحكومة المحلية، خيار السلفادور*، الحرب الطائفية، كلها لم تجد نفعا؛ حتى قررت الإدارة الأمريكية اللجوء إلى استراتيجية قديمة: البحث عن “وكيل” يقاتل بالنيابة عن الجيش، وكان ذلك الوكيل متوفرا ببساطة في السوق. حيث كانت الشركات الخاصة تعرض خدماتها في التدريب وحماية المنشآت والشخصيات وإدارة المرافق العسكرية والعمليات الخاصة مقابل المال. ولأن هذه الفعاليات تعتبر أجزاءً مفصلية من الحرب غير النظامية، عنى تدخل الشركات الخاصة في هذه الملفات إمساكها فعليا بقيادة المواجهة، وتحملها جزءا كبيرا من المواجهة مع القوات المعادية في هذه العمليات.
٢. صعود التيار النيوليبرالي
كان التيار الليبرالي الجديد “neoliberalism” الذي دعا إليه فريدريك حايك في الأربعينات وروج له ميلتون فريدمان في الستينات قائم على تحييد التدخل الحكومي عن الاقتصاد، وتركه كي يوازن نفسه بنفسه بالعرض والطلب، فتدخل الدولة في فرص العمل وفرض الضرائب لإحداث الموازنة بين الأغنياء والفقراء يفاقم مشاكل الاقتصاد على المدى البعيد ويقود نحو التحكم الكلي للحكومة
خطاب رونالد ريغان الشهير: الدولة ليست الحل، الدولة هي المشكلة
خلال السبعينات وبسبب الأزمات الاقتصادية بدأ التيار النيوليبرالي بالصعود، تكلل الأمر مع وصول رونالد ريغان رافعا شعاره الشهير: “الدولة ليست هي حل مشاكلنا، الدولة هي المشكلة”، منذ ذلك الوقت، بدأ القطاع الخاص المملوك لفئة قليلة من الأغنياء يسيطر تدريجيا على الاقتصاد العالمي في المجالات المختلفة؛ إذ تشير الاحصاءات أن الكيانات الخاصة “private entities” تزايدت من بضعة مئات عام 1989 إلى 6500 كيانا عام 2017، متحكمة بأصول تبلغ قيمتها 4.6 تريليون دولارا، وبالطبع لم يكن القطاع العسكري بمعزل عن تلك المتغيرات خاصة في ظل الانتقال من مرحلة خصخصة العمليات العسكرية إلى خصخصة المؤسسات نفسها. وبالتالي أصبح بالإمكان توظيف العسكريين السابقين و المقاتلين المخضرمين “veterans” في صفوف تلك الشركات بحيث لن يكون هناك حاجة لتأهيل مقاتلين جدد وإعادة بناءهم مرة أخرى. وبتحول أغلب القطاعات الصناعية والتكنولوجية -بضمنها العسكرية- إلى القطاع الخاص الذي يرتكز على مبدأ الربح والبيع لمن يدفع، أصبح بإمكان تلك الشراكات تكوين جيوش صغيرة من آلاف المقاتلين. وفيما يلي أبرز الشركات الخاصة العاملة حول العالم:
“G4S”: ثاني أكبر شركة توظيف في الأرض بعد شركة وول مارت. تحت إمرتها 625 ألف موظف ومتعاقد أمني يعملون في 125 دولة حول العالم ، لديها 9000 ألف عنصر في العراق يتولون حماية واحد من كل ثلاثة أرتال مدنية هناك.
“Academi”: المعروفة سابقا باسم بلاك ووتر ثم XE Services، تملك جيشا من 20 الف عنصر، إضافة لقاعدة تدريب بمساحة 28.3 كم2 تعتبر الأحدث على مستوى العالم، تضم 20 طائرة وعدد غير معروف من العربات المدرعة، تورط مقاتلوها في قتل مدنيين بساحة النسور وسط بغداد.
“Wagner group”: النسخة الروسية من بلاك ووتر، غير معروفة العدد، لكنها تملك 2500 آلاف مقاتل في سوريا، 400 في فنزويلا، ومئات في ليبيا، يديرها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
“Erinys”: تسلمت 282 موقعا من الجيش الامريكي في العراق ولديها 16 ألف متعاقد عامل هناك، كما تملك بضعة عقود في أفريقيا.
“Dyncorp”: تملك 10 آلاف مقاتل وتحقق إيرادات سنوية تقدر بـ3.4 مليار دولار، تم اختيارها من بين 8 شركات لخلافة القوات الأمريكية في العراق.
“Triple Canopy”: تمتلك 3 آلاف عنصر بالإضافة إلى 1800 جندي عسكري أغلبهم من البيرو وأوغندا مجهزين بكافة المعدات العسكرية، حصلت الشركة على عقد بقيمة 1.5 مليار دولار من الجيش الأمريكي.
Aegis defense service”: تضم 5000 آلاف مقاتل وتعمل في البحرين وأفغانستان.
“Unity resources group”: شركة استرالية تضم 1200 مقاتل من أستراليا وبريطانيا، اتُهمت بقتل مدنيين في العراق بينهم بروفيسور استرالي.

-صورة لأحد عناصر شركة بلاك ووتر الأمريكية-
تملك تلك الشركات وغيرها قدرات عسكرية تتعدى توفير المقاتلين وتدريب الجيوش؛ في تحقيق استقصائي أجرته صحيفة الصن البريطانية، قالت فيه أن الشركات العسكرية الخاصة تعتبر الخطر الأبرز على الأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين مع قدرتها على اجتياح بلدان بأكملها وتغيير موازين الأزمات الدولية، وحيازتها ميزانية دفاعية تبلغ 200 مليار دولار -بما يعادل ميزانية بريطانيا العسكرية 5 مرات-. فتلك الشركات لها القدرة على توفير وسائل الحرب التقليدية والحرب الالكترونية و سرقة أصول الدول لصالح من يدفع أكثر.
التحول إلى الحروب الخاصة
مثلت الفترة التي أعقبت الاجتياح الأمريكي في الشرق الأوسط، مرحلة انطلاق الشركات الخاصة وتوسعها. وبالإضافة لاستراتيجية تخفيض القوات وعامل التطور التكنولوجي، شكّل العنصر الاقتصادي أحد أسباب صعود تلك الشركات وهيمنتها لاحقا على الأزمات التي ضربت المنطقة عقب أحداث الربيع العربي.
لم تكن فكرة الاستعانة بخدمات مدنيين في القطاع الخاص خلال القتال جديدة في الاستراتيجية الأمريكية، بل أن تاريخها يرجع إلى حرب الاستقلال الأمريكية حين كان المتعاقدون المدنيون يزودون الجيش الأمريكي بالخدمات اللوجستية والهندسية في الحرب، لكن اللافت هو الحجم الذي بلغه الاعتماد على خدمات القطاع الخاص إلى حد توكيلهم بالقتال المباشر بدلا عن الجيش الأمريكي.
يشير تقرير للكونغرس منتصف عام 2011 أنه ونتيجة لتصاعد الأعمال القتالية ضد القوات الامريكية فإن المتعاقدين من الشركات الأمنية باتوا يؤلفون 52% من قوة الجيش الأمريكي العاملة في العراق وأفغانستان بدءا من عام 2009، حيث شكلوا 90933 عنصرا مقابل 99800 جندي أمريكي في أفغانستان باعتمادات مالية تفوق الـ 11 مليار دولار، و 64233 متعاقدا مقابل 45660 جنديا أمريكا في العراق بكلفة 15.4 مليار دولار. كانت مهمة هذه الشركات تشمل حماية المسؤولين الأمريكيين، حماية المرافق الامريكية والمنشآت الحيوية، تدريب القوات الحليفة؛ وبسبب طبيعة المواجهة كان ما سبق يعني الالتحام المباشر مع المجاميع المسلحة على الدوام.
بعد انتهاء الحرب في العراق، وبروز صراعات أخرى في سوريا وليبيا واليمن، أصبحت التدخلات العسكرية تعتمد بصورة كاملة على الشركات الخاصة والمرتزقة، مثلت شركة فاغنر الروسية، مثالا صارخا على هذا التوجه.

-صورة لمجموعة من مقاتلي شركة فاغنر الروسية في سوريا-
مجموعة فاغنر هي شركة عسكرية روسية خاصة لها علاقات وثيقة مع الحكومة الروسية. تأسست المجموعة شبه العسكرية، التي أسسها ضابط سابق في المخابرات العسكرية الروسية ، على المسرح الدولي في أوكرانيا عام 2014؛ يُعتقد أن رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين ، الذي اتهمته الولايات المتحدة لدوره في التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 ، يمول الشركة. تتألف فاغنر من أفراد عسكريين سابقين، وتقدم الاستشارات القتالية والدفاع الداخلي الأجنبي – تدريب القوات المحلية – وخدمات العمل المباشر. وغالبًا ما تعمل بالاشتراك مع أجهزة المخابرات الروسية ووحدات العمليات الخاصة. ثم أصبحت الآن الاداة المباشرة لروسيا للتدخل في الصراع الليبي، والذي تحول بدوره إلى صراع كامل ٍ بالوكالة كما هو الحال في سوريا. يتواجد مرتزقة فاغنر في ليبيا منذ عام 2018 على الأقل ، واليوم ، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية ، هناك حوالي 2500 منهم يقاتلون مع الجيش الوطني الليبي ، بالإضافة إلى 3800 مقاتل سوري ، بعضهم جهاديون ، يدعمون حكومة الوفاق الوطني. زادت روسيا من حصصها في الصراع من خلال نشر 14 طائرة مقاتلة من طراز MiG-29 و SU-24 في ليبيا في مايو. وتأكيدا على سرية نشاطاتها أعادت طلاء الطائرات من قبل المرتزقة حتى تتمكن من إنكار التورط الرسمي.
حاضر ومستقبل جديد للصراعات
أدّى انتشار تلك القوات وتخطي دورها من الدعم اللوجستي إلى دور فض النزاعات وحتى القتال المباشر –في سوريا وليبيا وفنزويلا- إلى تغيير في طبيعة الصراعات وصنع جيل جديد من حروب الوكالة التي أخذت فيها شركات القطاع الخاص زمام القيادة بدل الدول الكبرى، يقول البروفيسور شين ماكفيت الزميل الأقدم في المجلس الأطلسي والأستاذ في جامعة الدفاع الوطني مؤلف كتاب “المرتزقة الحديثة”: “إن الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة خلال العقد الماضي لم يؤد فقط إلى توسيع هذه الصناعة ؛ إنما أدى إلى تغيير في العلاقات الدولية، فهي تمنح تلك القوات الخيار لشن الحروب حيث لا تستطيع الحكومات، أو لا تريد ذلك، على سبيل المثال: تدخلت شركة بلاك ووتر في دارفور عام 2008 في مهمة قيل أنها لحفظ السلام، لقد وفرت خيار التدخل على الحكومات الغربية، وكذلك فعلت روسيا بتوظيف المرتزقة الشيشانيين في أوكرانيا”.
إن الطبيعة الاقتصادية للشركات الخاصة في تقديم مبدأ تحقيق الربح، وتوسعها السريع شأنها شأن شركات الاتصالات والسياحة والسيارات مع الأخذ بالاعتبار حساسية المجال الذي تسيطر عليه، دفع الكثير من مؤسسات البحث والمراقبين لدق ناقوس الخطر وضرورة إيقاف هذا الانتقال المخيف للقوة بل و تحييده قبل خروجه عن السيطرة. في العام 2018، نشرت وزارة الدفاع البريطانية دراسة رسمت صورة سوداوية للعالم بحلول العام 2050، إذ تتوقع أن نمو القطاع الخاص سيدفع المدن الكبيرة للاعتماد على نفسها تدريجيا في مجال التكنولوجيا وبالتبعية الأمن، وبالتالي ستكون الشركات العسكرية الخاصة جزءا محتوما من الصراع في المستقبل”. بينما تسائل الباحث في مؤسسة الحرب الحديثة ماكس بروكس عن وضع الأمني القومي الأمريكي بحلول العام 2050 بعد تولي شركات القطاع الخاص المسؤولية فيه، واحتمالية أن تكون الولايات المتحدة مكشوفة بالكامل لأن عناصر الشركات الأمنية قد يقررون الإضراب عن العمل وهو سبب يمنع محاكمتهم بتهمة الخيانة حتى مع تقاعسهم عن حماية الأراضي الأمريكية !
الخلاصة
أدى الاعتماد على قوات الشركات الخاصة لتغييرات كبيرة على المستوى العسكري والسياسي، فالقوات المتحاربة أصبحت مرتزقة تقاتل لأجل من يدفع أكثر، هكذا بدأت الصراعات تخلط العناصر الآسيوية والأفريقية والأوروبية في صراع على مناجم الذهب في أمريكا الجنوبية، وهكذا أصبح بإمكان الحكومات التحرك عسكريا دون أن يكون لذلك تبعات سياسية في الداخل والخارج، والأهم، أصبح تنفيذ السياسات القومية مدعاة ربح أكثر منه محل خسائر في الأرواح والأموال، فغالبا ما تدفع تكاليف تلك الشركات، عناصر محلية على الأرض لضمان أمنها.
لكن، ورغم تلك الميزات، يعتبر خصخصة القطاع العسكري منحى خطيرا في تسليم ملفات مهمة على مستوى الأمن القومي، لشركات تتبع منهج الربح والخسارة لا معايير السياسية الدولية وحقوق الانسان. إذ لا يتماشى مبدأ “القتال لمن يدفع أكثر” مع جانب حساس من أمن الدولة كمثل حماية حدودها ومرافقها الحيوية. وبين هذا وذاك، لا يبدو أن تحولا معاكسا ممكن الحصول في المستقبل القريب، إنما المرجح أن العكس هو ما سيحصل.