designated survivor: رئيس بالمصادفة

designated survivor: رئيس بالمصادفة

بدأنا نلاحظ في السنوات الأخيرة ظهور الكثير من الأعمال الدرامية المختصة بطرح الجانب السياسي الأمريكي، ربما لأن هذا الأمر يشغل بال الكثيرين ممن يثيرهم الفضول لمعرفة الهيكلية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وكيف يتم حكمها وكيف يتخذ رئيس أقوى بلد في العالم قراراته، ومن بين الأعمال التي اقتبستها هوليوود من الدراما الكورية كان مسلسل Designated Survivor والذي يعتبر من الأعمال الناجحة التي جعلتنا نتغلغل في تفاصيل حياة الرئيس الأمريكي في داخل البيت الأبيض وكأننا كاميرا تصور كل المشاهد وتكشف كل الأسرار.

قصة المسلسل

في يوم وليلة واجتماع يتغير المسار السياسي لأقوى دولة في العالم، وبسبب هجوم إرهابي مجهول الفاعل، يحدث انفجار كبير داخل الكونجرس الأمريكي ويقضي على كل المتواجدين في القاعة بما فيهم رئيس البلاد وكافة الوزراء وأعضاء الكونجرس، باستثناء وزير واحد فقط وهو الناجي الوحيد من هذه الحادثة الشنيعة وهو وزير الإسكان (توم كيركمان)، الرجل الأكثر بعدًا عن السياسة، حيث أنه يفتقر للخبرة السياسية والعسكرية ولا يمتلك تلك الشخصية التي تجعله يتحكم في أقوى دولة في العالم، فبيده السلاح النووي وملفات عالمية تخص حياة الملايين من الناس، وتتوالى الأحداث بعد ذلك في محاولة للكشف عن مسببي الهجوم.

رسائل سياسية

المسلسل عبارة عن قصة يمتد خيالها إلى حد المبالغة، فكيف يصبح رجل خارج صندوق التوقعات ولا يملك من الخبرة شيء يؤهله لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يتشابه مع تعيين الرئيس دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وهو في نهاية الأمر ليس إلا رجل أعمال كل أهدافه وخطواته تتمركز حول تحقيق أرباح مادية، لذلك يستغل السلطة ليحقق مآربه في عالم البزنس، وهذا عنصر مشترك في نقطة قلة الخبرة السياسية التي يملكها رئيس البلاد.

عند متابعتك لأحداث المسلسل تشعر بأنك تتواجد فعليًا في جنبات القصر وتتابع أحداثه أولًا بأول، وتتجسس على المكائد السياسية وتعرف من يحب من ومن يكيد لمن ومن يسعى للإطاحة بمن، هنا يمكنك فهم واستيعاب دوائر الحكم في الولايات المتحدة وتستمع لمكالمات الرئيس مع رؤساء الحكومات الأخرى وتعرف كيف يتم اتخاذ القرارات بالتعاون مع المستشارين.

يكشف المسلسل عن كواليس التعامل مع الصحافة والإعلام وكيف يتشكل الرأي السياسي وكيف تتم مواجهة الأزمات والفضائح وكيفية تخطيها.

نلاحظ خلال الخطاب الذي كان يلقيه الرئيس الأمريكي، يصدر قرار باستبعاد وزير الإسكان من الحكومة وتعيينه سفيرًا لإحدى المنظمات الدولية ويحدث أن يتم اختيار أحد أعضاء الحكومة ليكون المرشح المختار في حال حدث خطب ما لأعضاء الكونجرس والرئيس معًا، وهذا يُعتبر عرف ليس متعارف عليه في الحكومة الأمريكية ويبدو هزليًا وغير واقعي أن يقع الاختيار على أضعف أعضاء الحكومة.

توم كريكمان شخص حيادي لا ينتمي إلى أي حزب سياسي ولا يمتلك أي مهارات دبلوماسية ولكنه في نفس الوقت شخص متعلم يحاول أن يبذل قصارى جهده لإخراج البلاد من أزماتها ويحاول بكل قواه الكشف عن مسببي الهجوم الإرهابي على الكونجرس، ويمتلك صفات إنسانية تؤهله ليكون أفضل رئيس أمريكي مثالي أمام الشعب في صدقه ونزاهته ووضوحه معهم، وهذا الأمر لا ينطبق أبدًا مع السياسية الأمريكية التي تستقضي السرية والقيام بالكثير من الأمور تحت الطاولة وتجنب الإفصاح عنها أمام الجمهور الأمريكي.

يواجه الرئيس الجديد عقبات وتحديات كثيرة لضعف الثقة بخبراته من قبل المحيطين به ومحاولة بعض الوزراء وحكام الولايات الأخرى التمرد على قراراته، وهنا نلاحظ أحيانًا سذاجة واضحة في تسلسل الأحداث والصراعات

يحتوي المسلسل على كمية كبيرة من الأزمات والعقبات التي تلت بعضها الآخر بدون توقف، ومن الطبيعي أن يُعطى بطل الحكاية فرصة ليلتقط أنفاسه، ونظرًا لشح خبرته يُعتبر تراكم الأزمات وطولها وامتدادها جانب من جوانب الضعف والتمطيط

سلَط المسلسل الضوء على جماعة يسمون” الأناركبيون” وهم جماعة تمتلك أموالًا طائلة وعناصر سرية داخل كتيبة الحكم الأمريكي، وخزينة كبيرة من الأسلحة التي مكنتهم من التأثير في الولايات المتحدة بشكل كبير جدًا وقلبها رأسًا على عقب، وتكرر هذا المشهد عند وفاة جورج فلويد الذي أثار ضجة كبيرة حول العالم، عندما سمعنا ترامب يتحدث عن صراعه معهم وهم بذات الإمكانيات التي يمتلكها “الأناركبيون” وهذا الأمر يجعلنا نشعر بجانب من الغموض وتكرار السيناريوهات نفسها في الولايات المتحدة.

ابتذال وتناقض ومثالية صلفة

يستمر المسلسل في عرض مواقف مبتذلة وأقرب إلى حد السذاجة نوعًا ما، وخاصة عند عرض مشاهد كأن يدخل قاتل مأجور إلى قلب حديقة البيت الأبيض ليطلق الرصاص على مؤتمر الرئاسة وكأن البيت الأبيض مجرد حديقة عامة يقف على بوابتها اثنين من الحرس المدنيين، وكل ذلك في سبيل استمرار شعلة الأحداث للحفاظ على التشويق والحماس عند المشاهد

يطرح المسلسل واحدة من المتناقضات الهامة التي تخص عالم السياسة سواء في الولايات المتحدة أو غيرها، وهي التفرقة بين ما هو سياسي غير أخلاقي، وما هو أخلاقي غير سياسي، فالقرارات التي ترفض الأمور غير الأخلاقية قد لا تكون صالحة لتشكل قرارًا سياسيًا في خضم أزمة، كما أن الكثير من القرارات والتحالفات السياسية يمكن وصفها إجمالاً بالنفعية غير الأخلاقية، لكن المسلسل حين قدمها تعامل معها بمنظور سطحي في بعض الأحيان،  مثل المرات المتعددة التي يقرر فيها التأخر في اتخاذ قرار توجيه ضربة عسكرية ضد فئة معينة فقط لأنه متشكك، وهذا في الحقيقة لا يعد جزءً من السياسة الأمريكية إذا وضعنا الأمر في مقياس الواقع

لا يمكنك تجاهل محاولة المسلسل في تقديم نموذج مثالي للسياسة الأمريكية يستحيل وجوده في الحكم الأمريكي.